فصل: من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الفجر:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) كلمة ما استولت على قلبي فقير فأقلقته، وما تمكنت من سر متيم فشتته، وما استولت على روح محب فرحمته، كلمة قهارة للقلوب، ولكن لا لكل قلب، كلمة لا سبيل لهها لكل عقل، كلمة تكتفي من العابدين بقراءتهم لها، ولكنها لا ترضى من المحبين إلا ببذل أرواحهم فيها.
قوله جل ذكره: {والفجر وَلَيالٍ عشر}.
الفجرُ انفجارُ الصُّبح وهو اثنان: مستطيلٌ وقصير؛ ففي التفسير: إنه فَجْرُ المحرَّم لأنه ابتداء السنة كلها، وقيل: فجر ذي الحجة.
ويقال: هو الصخور ينفجر منها الماء.
ويقال: أقسم به لأنَّه وقتُ عبادة الأولياء عند افتتاحهم النهار.
{وَلَيَالٍ عشر} قيل: هي عشر ذي الحجة، ويقال: عشر المحرم؛ لأن آخرها عاشوراء. ويقال: العشر الأخيرة من رمضان.
ويقال: هي العشر التي ذكرها اللَّهُ في قصة موسى عليه السلام تمَّ به ميعاده بقوله: {وَأَتْممنَاهَا بِعشر}.
ويقال: هو (فجرُ) قلوبِ العارفين إذا ارتقوا عن حدِّ العلم، وأسفر صُبْحُ معارفِهم، فاستغنوا عن ظلمة طلب البرهان بما تجلَّى في قلوبهم من البيان.
{وَالشَّفْعِ والوتر}.
جاء في التفاسير: الشفعُ يوم النَّحْرِ، والوتر يوم عَرَفَة.
ويقال: آدم كان وتراً فشُفِعَ بزوجته حواء.
وفي خبرٍ: إنها الصلوات منها وتر (كصلاة المغرب) ومنها شفع كصلاة الصُّبْح.
ويقال: الشفع الزوج من العَدَد، والوتر الفَرْدُ من العدد.
ويقال: الشفع تضادُّ أوصاف الخَلْق: كالعلم والجهل، والقدرة والعجز، والحياة والموت. والوتر انفرادُ صفاتِ الله سبحانه عمَّا يضادُّها؛ علم بلا جهلٍ، وقدرة بلا عجزٍ، وحياة بلا موتٍ.
ويقال: الشفعُ الإرداة والنية، والوتر الهِمَّة؛ لا تكتفي بالمخلوق ولا سبيل لها إلى الله- لتَقَدُّسِه عن الوَصْلِ والفَصْل.. فبقيت الهِمَّةُ غريبةً.
ويقال: الشفع الزاهد والعابد، لأن لكل منهما شكلا وقريناً، والوتر المريدُ فهو كما قيل:
فريدٌ من الخِلاَّنِ في كل بلدةٍ ** إذا عَظُمَ المطلوبُ قَلَّ المساعدُ

{وَالَّيْلِ إِذَا يسر}.
{يسري} يمضي.
قوله جل ذكره: {هَلْ في ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حجر}.
{حجر}. لُبٍّ. وجوابُ القَسَمِ: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد}.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد إِرَمَ ذَاتِ العماد}.
ذكر قصص هؤلاء المتقدمين... إلى قوله: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب}. أي: شدة العذاب.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد}.
لا يفوته شيءٌ.
قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونعمه فَيَقول رَبِّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقول رَبِّى أَهَانَنِ}.
{فيقول ربي أكرمني}: أي: شَكَرَه.
{فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. أي: ضيَّق، {فيقول ربي أَهانني}. أي: أذلَّني. كلا.. ليس الإذلالُ بالفقر إنما بالخذلانِ للعصيان.
قوله جل ذكره: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}.
أي: أنتم تستحقون الإهانة على هذه الخصال المذمومة؛ فلا تُكْرِمون اليتيمَ.
{وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ الْمسكينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكلا لَّمًّا}.
لمَّا. أي شديداً.
{وَتُّحِبُّونَ المَالَ حبًّا جَمّاً}.
جَمًّا أي كثيراً.
قوله جل ذكره: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً}.
أي: قامت القيامة.
{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}.
{وَجَاءَ رَبُّكَ} أي الملائكه بأمره.
ويقال: يفعل فعلاً فيُسميه مجيئاً.
{وَجِيءَ يومئِذٍ بِجَهَنَّمَ يومئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذكرى}.
يقال: تُقَاد جهنم بسبعين ألف زمام.
وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسانُ ** ولا يَنْفَعه التذكَّر، ولا يُقْبَلُ منه العُذْرُ.

{يَقول يَالَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَأتى}.
أي: أطَعْتُ ربِّي ونظرت لنفسي.
{فَيومئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عذابهُ أحد}.
أي: لا يعذَّب في الدنيا أحد مثلما يعذَّبه الله في ذلك اليوم.. إذا قرئت الذال بالكسر.
أما إذا قرئت بالفتح {لا يعذب} فالمعنى: لا يُعَذَّبُ أحد مثلما يُعَذَّبُ هذا الكافر.
قوله جل ذكره: {ياأيتها النَّفْسُ المطمئنة}.
الروحُ {المطمئنة} إلى النفس.
ويقال: {المطمئنة} بالمعرفة: ويقال: {المطمئنة} بذكر الله.
ويقال: بالبشارة بالجنة. ويقال: {النفس المطمئنة}: الروح الساكنة.
{ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ راضية مرضية}.
راضية عن الله، مرضية من قِبَل الله.
{فَادْخُلِى في عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى}.
أي: في عبادي الصالحين. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الفجر فِيهَا خَمْسُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الأولى قوله تعالى: {والفجر} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى:
{الْفَجْرُ}: هُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ النَّهَارِ الَّذي هُوَ أحد قِسْمَيْ الزَّمَانِ.
وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَا فَجْرَانِ:
أحدهُمَا الْبَيَاضُ الَّذي يَبْدُو أَوَّلًا ثُمَّ يخفى؛ وَهُوَ الَّذي تُسَمِّيهِ الْعَرَبِ ذَنَبَ السِّرْحَانِ لِطُرْآنِهِ ثُمَّ إقْلَاعِهِ.
والثاني: هُوَ الْبَادِي مُتَمَادِيًا؛ وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ الْمُسْتَطِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَبْدُو كَالْحَبْلِ الْمُعَلَّقِ مِنْ الْأُفُقِ أَوْ الرُّمْحِ الْقَائِمِ فِيهِ؛ وَيُسَمَّى الثَّانِي الْمُسْتَطِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَشِرُ عَرْضًا فِي الْأُفُقِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ الكاذب؛ وَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
وَيُسَمَّى الثَّانِي الصَّادِقَ لِثُبُوتِهِ؛ وَبِهِ تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ السُّحُورِ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الصُّبْحُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنْ الْمُسْتَطِيرُ بِالْأُفُقِ».
الْمَسْأَلَةُ الثانية:
فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامٍ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَلِأَجْلِهِ قال مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ عَنْهُ: الْفَجْرُ أَمْرُهُ بَيِّنٌ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ.
الْآيَةُ الثانية قوله تعالى: {وَلَيَالٍ عشر} فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى:
فِي تَعْيِينِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّهَا عشر ذي الْحِجَّةِ؛ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقالهُ جَابِرٌ، وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصِحَّ.
الثَّانِي: عشر الْمُحَرَّمِ؛ قالهُ الطَّبَرِيُّ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْعشر الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ.
الرَّابِعُ أَنَّهَا الْعشر الَّتِي أَتَمَّهَا اللَّهُ لِمُوسَى عليه السلام فِي مِيقَاتِهِ مَعَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثانية:
أَمَّا كُلُّ مَكْرُمَةٍ فَدَاخِلَةٌ مَعَهُ فِي هَذَا اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى لَا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي إثْبَاتٍ، وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَلَا تُوجِبُ الشُّمُولَ؛ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ مَعَ النَّفْيِ؛ فَهَذَا الْقول يُوجِبُ دُخُولَ لَيَالٍ عشر فِيهِ، وَلَا يَتَعين الْمَقْصُودُ مِنْهُ، فَرَبُّك أَعْلَمُ بِمَا هِيَ؛ لَكِنْ تَبْقَى هَاهُنَا نُكْتَةٌ؛ وَهِيَ أَنْ تَقول: فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى تَعْيِينِهَا وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قُلْنَا: نَحْنُ نُعينهَا بِضَرْبٍ مِنْ النَّظَرِ، وَهِيَ الْعشر الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَرَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي الْمُعْتَبَرَاتِ أَفْضَلَ مِنْهَا، لاسيما وَفِيهَا لَيْلَةُ الْقدر الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؛ فَلَا يُعَادِلُهَا وَقْتٌ مِنْ الزَّمَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قال ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: {وَلَيَالٍ عشر}؛ قال: الْأَيَّامُ مَعَ اللَّيَالِي، وَاللَّيْلُ قَبْلَ النَّهَارِ، وَهُوَ حِسَابُ الْقَمَرِ الَّذي وَقَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتِ كَمَا رَتَّبَ على حِسَابِ الشَّمْسِ الَّذي يَتَقَدَّمُ فِيهِ النَّهَارُ على اللَّيْلِ بِالْعَادَاتِ فِي الْمَعَاشِ وَالْأَوْقَاتِ.
وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ اللُّغَةِ وَحَبْرُهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَحْسِبُ النَّهَارَ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَيَجْعَلُ اللَّيْلَةَ لِلْيوم الْمَاضِي، وَعلى هَذَا يَخْرُجُ قول عَائِشَةَ فِي حديث إيلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، فَلما كَانَ صَبِيحَةُ تِسْعٍ وَعشرينَ لَيْلَةً أَعُدُّهُنَّ عَدًّا دَخَلَ على رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ تَكُنْ آلَيْت شَهْرًا فَقال: «إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعشرونَ»، وَلَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ لِلْيوم الْآتِي لَكَانَ قَدْ غَابَ عَنْهُنَّ ثمانية وَعشرينَ يوما، وَهَذَا التَّفْسِيرُ بَالِغٌ طَالما سُقْتُهُ سُؤَالًا لِلْعُلَمَاءِ بِاللِّسَانِ وَتَقْلِيبًا لِلدَّفَاتِرِ بِالْبَيَانِ حَتَّى وَجَدْت أَبَا عَمْرٍو وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا؛ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لُغَةً نَقَلَهَا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نُكْتَةً أَخَذَهَا مِنْ هَذَا الْحديث وَاسْتَنْبَطَهَا.
وَالْغَالِبُ فِي أَلْسِنَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعين غَلَبَةُ اللَّيَالِي لِلْأَيَّامِ، حَتَّى إنَّ مِنْ كَلَامِهِمْ: (صُمْنَا خَمْسًا) يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ اللَّيَالِي، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ فِي النَّهَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ:
قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ والوتر} فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى:
لِلْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِهَا ثمانية أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: «أَنَّ الصَّلَاةَ شَفْعٌ كُلُّهَا، وَالْمَغْرِبَ وَتْرٌ»؛ قالهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَّجَهُ التِّرْمِذي.
الثَّانِي: «أَنَّ الشَّفْعَ أَيَّامُ النَّحْرِ، والوتر يوم عَرَفَةَ»، رَوَاهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّفْعَ يوم مِنًى، والوتر: الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، وَهُوَ الثَّالِثَ عشر مِنْ ذي الْحِجَّةِ.
الرَّابِعُ أَنَّ الشَّفْعَ عشر ذي الْحِجَّةِ، والوتر أَيَّامُ مِنًى لِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ.
الْخَامِسُ الشَّفْعُ: الْخَلْقُ، والوتر اللَّهُ تعالى؛ قالهُ قَتَادَةُ.
السَّادِسُ أَنَّهُ الْخلق كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ شَفْعًا وَمِنْهُ وَتْرًا.
السَّابِعُ أَنَّهُ آدَم؛ وَتْرٌ شَفَعَتْهُ زَوْجَتُهُ، فَكَانَتْ شَفْعًا لَهُ؛ قالهُ الْحَسَنُ.
الثَّامِنُ أَنَّ الْعَدَدَ مِنْهُ شَفْعٌ، وَمِنْهُ وَتْرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثانية:
هَذِهِ الْآيَةُ خِلَافُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّفْعِ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْعَهْدِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَهْدٌ؛ وَلَيْسَ بِممتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ والوتر كُلَّ شَفْعٍ وَوَتْرٍ مما ذُكِرَ وَمما لَمْ يذكر، وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ يَسْتَغْرِقُ مَا تُرِكَ فِي الظَّاهِرِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
لَكِنْ إنْ قُلْنَا: إنَّ اللَّيَالِيَ الْعشر عشر ذي الْحِجَّةِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ والوتر يوم النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قال: إنَّهُ عشر ذي الْحِجَّةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا الْقول الْخَامِسُ فَوَجْهُ الْقَسَمِ فِيهِ وَحَقِّ الْخلق وَالْخَالِقِ لَهُمْ.
وَأَمَّا الْقول السَّادِسُ فَمَعْنَاهُ وَحَقِّ الْخَلْقِ.
وَوَجْهُ الْقول السَّابِعِ وَحَقِّ آدَمَ وَزَوْجَتِهِ.
وَوَجْهُ الْقول الثَّامِنِ أَنَّهُ قال: وَحَقِّ الْعَدَدِ الَّذي جَعَلَهُ اللَّهُ قِوَامَ الْخلق وَتَمَامًا لَهُمْ، حَتَّى لَقَدْ غَلَا فِيهِ الْغَالُونَ حَتَّى جَعَلُوهُ أَصْلَ التَّوْحِيدِ وَالتَّكْلِيفِ، وَسِرَّ الْعَالَمِ وَتَفَاصِيلَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهِ، وَهُوَ هَوَسٌ كُلُّهُ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كتاب الْمُشْكِلَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ فَمِنْهَا شَفْعٌ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْأَرْبَعُ، وَمِنْهَا وَتْرٌ وَهِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ؛ وَلِذَلِكَ قال عُلَمَاؤُنَا: إنَّهَا لَا تُعَادُ فِي جَمَاعَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا لَوْ طُلِبَ بِهَا فَضْلُ الْجَمَاعَةِ لانقلبتْ شَفْعًا، حَتَّى تَنَاهَى عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ فَقالوا: لَوْ أَعَادَهَا رَجُلٌ فِي جَمَاعَةٍ غَفْلَةً لَقِيلَ لَهُ: أَعِدْهَا ثَالِثَةً؛ حَتَّى تَكُونَ وَتْرًا تِسْعَ رَكَعَاتٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ الْمَغْرِبَ لَوْ صَارَتْ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفْعًا لَصَارَتْ الظُّهْرُ بِإِعَادَتِهَا ثَمَانِيًا، وَيَعُودُ ذَلِكَ فِي حَالِ التَّخْلِيطِ الَّذي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فَيُقال فِيهِ: فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي إذَا مَا ذَكَرْتهَا أَثِنْتَيْنِ صَلَّيْت الضُّحَى أَمْ ثَمَانِيًا فَكَمَا لَا تَتَضَاعَفُ الظُّهْرُ بِالْإِعَادَةِ، فَكَذَلِكَ لَا تَتَضَاعَفُ الْمَغْرِبُ، وَأَشَدُّهُ الصَّلَاةُ الثَّالِثَةُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
لما قال عُلَمَاؤُنَا: إنَّ أَقَلَّ النَّفْلِ رَكْعَتَانِ.
قُلْنَا: إنَّ قول اللَّهِ تعالى: {وَالشَّفْعِ} يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا.
وقوله تعالى: {والوتر} يَنْطَلِقُ على الْوَتْرِ وَحْدَهُ الَّذي هُوَ فَرْدٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْحديث وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: «الِاسْتِجْمَارُ وَتْرٌ، وَالطَّوَافُ وَتْرٌ، وَالْفَرْدُ كَثِيرٌ»، وَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ يَكْفِي فِيهِ.
الْآيَةُ الرَّابِعَةُ:
قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إذَا يسر} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى:
أَقْسَمَ اللَّهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كَمَا أَقْسَمَ بِسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، وَجملة وَتَفْصِيلًا، وَخَصَّهُ هَاهُنَا بِالسُّرَى لِنُكْتَةٍ هِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثانية:
أَنَّ اللَّهَ تعالى قال: {هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ}.
وَقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} وَأَشَارَ هَاهُنَا إلَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ يُتَصَرَّفُ فِيهِ لِلْمَعَاشِ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي النَّهَارِ، وَيَتَقَلَّبُ فِي الْحَالِ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَيْلٍ، فَقال لَهُ: «السُّرَى يَا جَابِرُ».
وَخَاصَّةً الْمُسَافِرُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
كُنْت قَدْ قَيَّدْت فِي فَوَائِدِي بِالْمَنَارِ أَنَّ الْأَخْفَشَ قال لِمُؤَرِّجٍ: مَا وَجْهُ مَنْ حَذَفَ مِنْ عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ الْيَاءَ مِنْ قولهِ: {يسري}؟ فَسَكَتَ عَنْهَا سَنَةً، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: نَخْتَلِفُ إلَيْك نَسْأَلُك مُنْذُ عَامٍ عَنْ هَذِهِ.
الْمَسْأَلَةِ فَلَا تُجِيبُنَا؟ فَقال: إنَّمَا حَذَفَهَا لِأَنَّ اللَّيْلَ يسرى فِيهِ وَلَا يسري.
فَعَجِبْت مِنْ هَذَا الْجَوَابِ الْمُقَصِّرِ مِنْ غَيْرِ مُبْصِرٍ؛ فَقال لِي بَعْضُ أَشْيَاخِي: تَمَامُهُ فِي بَيَانِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِفِقْهٍ، هُوَ أَنَّ الْحَذْفَ يَدُلُّ على الْحَذْفِ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ.
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّك بعاد إرَمَ ذَاتِ العماد} فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأولى:
أَمَّا (عَادٌ) فَمَعْلُومَةٌ قَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي القرآن كَثِيرًا، وَعَظُمَ أَمْرُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثانية:
قولهُ: إرَمَ فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّهُ اسْمُ جَدِّ عَادٍ؛ قالهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
الثَّانِي: إرَمُ: أُمَّةٌ مِنْ الْأُمم؛ قالهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ اسْمُ قَبِيلَةٍ مِنْ عَادٍ؛ قالهُ قَتَادَةُ.
وَقِيلَ وَهُوَ الرَّابِعُ: هُوَ إرَمُ بْنُ عَوْصِ بْنُ سَامِ بْنُ نُوحٍ عليه السلام.
الْخَامِسُ أَنَّ إرَمَ الْهَلَاكُ: يُقال: أَرَمَ بَنُو فُلَانٍ أَيْ هَلَكُوا.
السَّادِسُ أَنَّهُ اسْمُ الْقَرْيَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قال الْقَاضِي: لَوْ أَنَّ قولهُ: {إرَمَ} يَكُونُ مُضَافًا إلَى عَادٍ لَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى جَدِّهِ أَوْ إلَى إرَمَ.
فَأَمَّا قولهُ عَادٌ مُنَوَّنٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ جَدِّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا زَائِدًا لِعَادٍ على الْقول بِأَنَّهَا أُمَّةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَبِيلَةً مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ اسْمَ الْقَرْيَةِ.
وَيُحْتَمَلُ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا، لَوْلَا أَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهَا إرْمٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ.
فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَحْتَ ذَلِكَ مِنْ الْخَفَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قولهُ: {ذَاتِ العماد}: فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ عَمُودٍ يَنْتَجِعُونَ الْقَطْرَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ الطُّولُ، كَانُوا أَطْوَلَ أَجْسَامًا وَأَشَدَّ قُوَّةً.
وَزَعَمَ قَتَادَةُ أَنَّ طُولَ الرَّجُلِ مِنْهُمْ اثْنَا عشر ذِرَاعًا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ خلق آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي الْهَوَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ الْخلق يَنْقُصُ إلَى الْآنَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ العماد الْقُوَّةُ، وَيَشْهَدُ لَهُ القرآن.
الرَّابِعُ أَنَّهُ ذَاتُ الْبِنَاءِ الْمُحْكَمِ، يُقال: إنَّ فِيهَا أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ عَمُودٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
فِي تَعْيِينِهَا: وَفِيهِ قولانِ:
الْأَوَّلُ أَنَّ أَشْهَبَ قال عَنْ مَالِكٍ: هِيَ دِمَشْقُ؛ وَقال مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ: هِيَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة.
وَتَحْقِيقُهَا أَنَّهَا دِمَشْقُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ فِي البلاد مِثْلُهَا وَقَدْ ذَكَرْت صِفَتَهَا وَخَبَرَهَا فِي كتاب تَرْتِيبِ الرِّحْلَةِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْمِلَّةِ، وَإِلَيْهَا أَوَتْ مَرْيَمُ، وَبِهَا كَانَ آدَم، وَعلى الْغُرَابِ جَبَلِهَا دَمُ هَابِيلَ فِي الْحجر جَارٍ لَمْ تُغَيِّرْهُ اللَّيَالِي، وَلَا أَثَّرَتْ فِيهِ الْأَيَّامُ، وَلَا ابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، بَاطِنُهَا كَظَاهِرِهَا، مَدِينَةٌ بِأَعْلَاهَا، وَمَدِينَةٌ بِأَسْفَلِهَا، تَشُقُّهَا تِسْعَةُ أَنْهَارٍ؛ لِلْقَصَبَةِ نَهْرٌ، وَلِلْجَامِعِ نَهْرٌ، وَبَاقِيهَا لِلْبَلَدِ، وَتَجْرِي الْأَنْهَارُ مِنْ تَحْتِهَا كَمَا تَجْرِي مِنْ فَوْقِهَا، لَيْسَ فِيهَا كِظَامَةٌ وَلَا كَنِيفٌ، وَلَا فِيهَا دَارٌ، وَلَا سُوقٌ، وَلَا حَمَّامٌ، إلَّا وَيَشُقُّهُ الْمَاءُ لَيْلًا وَنَهَارًا دَائِمًا أَبَدًا، وَفِيهَا أَرْبَابُ دُورٍ قَدْ مَكَّنُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ سَعَةِ الْأَحْوَالِ بِالْمَاءِ، حَتَّى إنَّ مُسْتَوْقَدَهُمْ عَلَيْهِ سَاقِيَةٌ، فَإِذَا طُبِخَ الطَّعَامُ وُضِعَ فِي الْقَصْعَةِ، وَأُرْسِلَ فِي السَّاقِيَةِ؛ فَيُجْرَفُ إلَى الْمَجْلِسِ فَيُوضَعُ فِي الْمَائِدَةِ، ثُمَّ تُرَدُّ الْقَصْعَةُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى إلَى الْمُسْتَوْقَدِ فَارِغَةً، فَتُرْسَلُ أُخْرَى مَلْأَى، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الطَّعَامُ.
وَإِذَا كَثُرَ الْغُبَارُ فِي الطُّرُقَاتِ أَمَرَ صَاحِبُ الْمَاءِ أَنْ يُطْلَقَ النَّهْرُ على الْأَسْوَاقِ وَالْأَرْبَاضِ فَيَجْرِي الْمَاءُ عَلَيْهَا، حَتَّى يَلْجَأَ النَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقَاتِ إلَى الدَّكَاكِينِ، فَإِذَا كُسِحَ غُبَارُهَا سَكَّرَ السَّاقِيَانِيُّ أَنْهَارَهَا، فَمَشَيْت فِي الطُّرُقِ على بَرْدِ الْهَوَاءِ وَنَقَاءِ الْأَرْضِ، وَلَهَا بَابُ جَيْرُونِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ وَعِنْدَهُ الْقُبَّةُ الْعَظِيمَةُ والمِيقَاتَاتُ لِمَعْرِفَةِ السَّاعَاتِ، عليها بَابُ الْفَرَادِيسِ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهُ، عِنْدَهُ كَانَ مَقَرِّي، وَإِلَيْهِ مِنْ الْوَحْشَةِ كَانَ مَفَرِّي، وَإِلَيْهِ كَانَ انْفِرَادِي لِلدَّرْسِ وَالتَّقَرِّي.
وَفِيهَا الْغُوطَةُ مَجْمَعُ الْفَاكِهَاتِ، وَمَنَاطُ الشَّهَوَاتِ، عليها تَجْرِي الْمِيَاهُ، وَمِنْهَا تُجْنَى الثَّمَرَاتُ؛ وَإِنَّ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة لَعَجَائِبَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْمَنَارُ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ على الْعُمُدِ، وَلَكِنْ لَهَا أَمْثَالٌ، فَأَمَّا دِمَشْقُ فَلَا مِثَالَ لَهَا.
وَقَدْ رَوَى مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كتابا وُجِدَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَلَمْ يُدْرَ مَا هُوَ، فَإِذَا فِيهِ: أَنَا شَدَّادُ بْنُ عَادٍ الَّذي رَفَعَ العماد، بَنَيْتهَا حِينَ لَا شَيْبَ وَلَا مَوْتَ قال مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَتَمُرُّ بِهِمْ مِائَةُ سَنَةٍ لَا يَرَوْنَ بِهَا جِنَازَةً.
وَذُكِرَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قال: أَنَا شَدَّادُ بْنُ عَادٍ، أَنَا الَّذي رفعت العماد، أَنَا الَّذي كَنَزْت كَنْزًا على سَبْعَةِ أَذْرُعٍ، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
فِيهَا مِنْ طَرِيقِ الْأَحْكَامِ التَّحْذيرُ مِنْ التَّطَاوُلِ فِي الْبُنْيَانِ، وَالتَّعَاظُمِ بِتَشْيِيدِ الْحِجَارَةِ، وَالنَّدْبُ إلَى تَحْصِيلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُوصِلُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ التَّطَاوُلُ فِي الْبُنْيَانِ، وَقَدْ عُرِضَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُنْيَانُ مَسْجِدِهِ، فَقال: «عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى».
وَالْبُنْيَانُ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَقَدْ تُوُفِّيَ وَمَا وَضَعَ لَبِنَةً على لَبِنَةٍ، ثُمَّ تَطَاوَلْنَا فِي بُنْيَانِنَا، وَزَخْرَفْنَا مَسَاجِدَنَا، وَعَطَّلْنَا قُلُوبَنَا وَأَبْدَانَنَا.
وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. اهـ.